أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 22 ذو الحجة 1432 هـ الموافق لـ: 18 نوفمبر 2011 19:51

- الكلمة الطيّبة وأثرها في الدّعوة إلى الله

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الجمعة 23 ذو الحجّة 1432 هـ/ 18 نوفمبر 2011 م

الخطبة الأولى [بعد الحمد والثّناء]

فقد تحدّثنا في الخطبة الأخيرة عن حقوق الطّريق وآدابه، وعِشنا مع وصايا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخطابه، ولكنّ الأمر الّذي استوقفنِي مليّاً، وأردت أن نتذاكره سويّا: أنّه إذا كان للطّريق الّذي يتّخذه النّاس مجلسا وتطرقه الأقدام حقوق وآداب، فكيف بالجلساء من الأحباب والأصحاب ؟! فلا شكّ أنّ حقّ الجليس أولى، ونصيبه من ذلك أعظم وأغلى.

وإنّ الحرص على حقّ الجليس - زيادة على أنّه يدلّ على عقل الرّجل - فهو من أعظم ما يؤلّف بين القلوب، ويطهّر من العيوب؛ لذلك قال تبارك وتعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:53].

فمن مكارم الخلال، ومحاسن الخصال أن يحرص المؤمن على حقّ جليسه، وقد روى ابن عبد البرّ رحمه الله في " أدب المجالسة " عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: أعزّ النّاس عليّ جليسي الّذي يتخطّى النّاس إليّ، أما والله إنّ الذّباب يقع عليه فيشقّ ذلك عليّ.

وعنه رضي الله عنه أيضا أنّه سئل: من أكرم النّاس عليك ؟ قال: جليسي.

وقال معاوية رضي الله عنه لعرابة الأوسيّ: بأيّ شيء استحققت أن يقول فيك الشمّاخ:

رَأَيْتُ عِرَابَةَ الَأَوْسِيَّ يَسْمُـو *** إِلَى الخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ القَرِيـنِ

إِذَا مَا رَايَـةٌ رُفِعَتْ لِمَجْـدٍ *** تَلَقَّـاهَا عِـرَابَـةُ بِاليَمِيـنِ

فقال عرابة: هذا أولى بك منّي يا أمير المؤمنين. فقال: عزمت عليك لتخبرنّي ! فقال: بإكرامي جليسي، ومحاماتي عن صديقي. فقال معاوية رضي الله عنه: إذن استحققت.

وقال عليّ بن الحسين: ما جلس إليّ أحد قط إلاّ عرفت له فضله حتّى يقوم.

وأعظم حقوق الجليس عليك: أن تصونه من الوقوع في المنكر من الكلام، وأن تقِيَه من الأحاديث الّذي تحلّ عليه سخط ربّ الأنام.

فأكثر ما يُدخِل النّار: اللّسان .. روى الّترمذي وغيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَخَذَ بِلِسَانِهِ، وقالَ - لمعاذ بن جبل -: (( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا )) ! فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟! فَقَالَ: (( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟!)).

فإنّ كلماتنا محسوبة علينا، يقول سبحانه وتعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ويقول عزّ وجلّ:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6].

وإنّ الكلمة قد ترفع الإنسان عند الله شأواً عظيما، أو تهوي به في سخط الله مرتعاً وخيما.

إنّ الكلمة الطيّبة كالغيث تزيل الهمّ والغمّ وتشرح القلب، والكلمة الخبيثة كالنّار تضرم الكرب وتشعل الحرب.

وإذا كانت هناك كلمات تكبّ أصحابّها في قعر جهنّم على مناخرهم، فإنّ هناك كلماتٍ تبتدرها الملائكة أيّهم يكتبُها أوّل، فترفعها إلى الله .. إنّها الكلمة الطيّبة والنّصيحة الصّادقة ..{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.

فإنّ الكلمة الصّادقة تفتح أبوابا من الخير، وتغلِق أبوابا من الشّر، ويوقِظ الله بها عبادا من الغفلة، ويحيِي بها قلوبا ميتة، وقد روى ابن حبّان بسند حسن عن أبي رزين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ، لاَ تَأْكُلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ طَيِّباً )).

أمّا قلب الأحمق في فمه، كما أنّ فم الحكيم في قلبه، والصّمت في وقته صفة الرّجال، كما أنّ النّطق في حقّ من أعظم الخصال.

وقد قال الحكماء: لسان المرء من خَدَم الفؤاد، أي: لا يستقيم اللّسان حتّى يستقيم الجنان:

لسان الفتى نصف، ونصفٌ فؤاده *** فلم تبقَ إلاّ صورة اللّحـم والدّم

الكلمة الطيّبة النّافعة من قلب المؤمن، من أعظم وسائل الدّعوة إلى الله، يغيّر الله بها أقواما فيسلك بهم جادّة الحقّ والصّواب، ويفتح لهم بها كلّ باب.

الكلمة الطيّبة لا تزال ولن تزال تتردّد في أذن سامعها، فتتلذّذ بها الآذان، وتنشرح لها الصّدور، وتبتهج لها القلوب.

لذلك بقيت كلمات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آذان أصحابه رضي الله عنهم جعلوها نبراسا لحياتهم، وشعارا لمواقفهم.

- حفصةُ زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرت أخاها عبد الله بنَ عمر رضي الله عنهما بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه: (( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ )) فكانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا [رواه البخاري ومسلم].

ويوم نشبت الفتنة بين المؤمنين، قال الأَحْنَفُ بنُ قيسٍ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فقالَ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قلتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قالَ: ارْجِعْ، فإِنِّي سمعْتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ))، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هذَا القَاتِلُ، فمَا بَالُ المَقْتُولِ ؟! قال: (( إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ )).

- وها هو الفضيل بن عياض رحمه الله قبل توبته، كان يتسلّق الحيطان ليقترف الحرام، فإذا به يسمع قارئا يقرأ قوله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]، فكانت توبتُه من لحظتئذٍ !

وهكذا الكلمة الطيّبة إذا خرجت من قلب صادق.

- وهذا القعنبيّ رحمه الله الإمام العلم، والجبل الأشمّ: كان يشرب النّبيذ ويصحب الأحداث، فدعاهم يوماً وقد قعد على الباب ينتظرهم، فمرّ شعبةُ على حماره، والنّاس خلفه يهرعون، فقال: من هذا ؟ قيل: شعبة، قال: وإيش شعبة ؟ قالوا: محدِّث.

فقام إليه وعليه إزار أحمر، فقال له: حدِّثْنِي، فقال له: ما أنت من أصحاب الحديث فأحدّثَك، فأشهر سكّينه، وقال: تُحّدثُنِي أو أجرحك؟ فقال له: حدّثنا منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا لَمْ تَسْتِحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ )).

فرمى سكّينه، ورجع إلى منزله، فقام إلى جميع ما كان عنده من الشّراب فأراقه، وقال لأمّه: السّاعةَ أصحابي يجيئون، فأدخليهم وقَدِّمي الطّعام إليهم، فإذا أكلوا فأخبريهم بما صنعت بالشّراب حتّى ينصرفوا.

ومضى من وقته إلى المدينة، فلزم مالكَ بنَ أنسٍ، ثمّ رجع إلى البصرة، وقد مات شعبة فما سمع منه غير هذا الحديث.

- وهذا صلة بن أشْيم رحمه الله: يقول ثابتٌ البناني: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجُبّان، فيتعبد فيها، فكان يمرّ عليه شباب يلهون ويلعبون. فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً فحادوا النّهار عن الطريق وباتوا باللّيل، متى يقطعون سفرهم ؟ قال: فمرّ بهم ذات يوم، فقال لهم هذه المقالة، فقال شاب منهم: يا قوم، إنّه والله ما يعنِي بهم غيرَنا، نحن بالنّهار نلهو وباللّيل ننام ! ثمّ اتّبع صلةَ فلم يزل يذهب معه إلى الجُبّان ويتعبّد معه حتّى مات.

- وهذا زاذان أبو عمر الكندي الكوفيّ يقول: كنت غلاما حسن الصّوت، جيّد الضّرب بالعود، فكنت مع أصحابٍ لي وعندنا نبيذ، وأنا أغنّيهم، فمرّ ابن مسعود رضي الله عنه، فوقف وقال: ما أحسن هذا الصّوت لو كان بقراءة كتاب الله ! ثمّ جعل رداءه على رأسه وانصرف.

فقال زاذان: من هذا ؟ قالوا: عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وماذا قال ؟ قالوا: قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله !

كلمات يسيرات مباركات، آتت ثمارها وأحدثت مفعولها، فأزالت الغشاوة الّتي كانت عليه، فقام زاذان فضرب العُودَ بالأرض فكسره، ثم أسرع فأدرك بن مسعود وجعل يبكي بين يديه، قال: فأقبل علي فاعتنقني وبكى، وقال: مرحبا بمن أحبّه الله، اجلس. ثمّ دخل وأخرج لي تمرا.

تعلّم زاذان من ابن مسعودٍ القرآن، وأخذ منه حظاً من العلم، وصار من كبار المحدّثين يروي عن عبد الله بن مسعود، وسلمان، وغيرهم.

قال الذّهبي رحمه الله عنه: أحد العلماء الكبار.

الخطبة الثّانية:

الحمد لله على إحسانه، وجزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، اللهمّ صلّ عليه وعلى أصحابه وآله، وعلى كلّ من اتّبع سبيله، وسار على منواله، أمّا بعد:

فقد رأينا أثر الكلمة الطيّبة الصّادقة على القلوب، وكيف يبارك فيها علاّم الغيوب، فما على المؤمن إلاّ أن يكون متحدّثا بالخير، مجتنبا للسّوء والضّير، فـ{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَيِّبُ}، وهو الفتّاح العليم، فإن شاء فتح بها القلوب، وإلاّ كانت حجّة على أهل المعاصي والذّنوب.

وعلى المؤمن أن يعلم أمورا ثلاثة:

أوّلا: لا تستبعِد توبةَ أحدٍ، وفي الأمثلة المذكورة خير دليل على ذلك. وقد كان النّاس يقولون: لن يُسلم عمر بن الخطّاب حتّى يُسلم حمار الخطّاب ! وها هو اليوم من أفضل العشرة المبشّرين بالجنّة والثّواب.

ومّمّا حفظه لنا العلماء: أنّ شيخا أميرا من المهالبة أيام البرامكة، قدم البصرة في حوائج له، فلمّا فرغ منها انحدر إلى دجلة، ومعه جارية، فلمّا صار في دجلة إذا بفتى على ساحل دجلة عليه جبّة وبيده عكّاز ومزود، فسأل الملاّحَ أن يحمله إلى البصرة، فرآه المهلّبي، فرقّ لحاله، فقال للملاّح: احمله معك، فحمله.

فلمّا كان في وقت الغداء دعا الشيخ بالسّفرة وقال للملاّح: قل للفتى ينزل إلينا، فأبى، فلم يزل يطلب منه ذلك حتّى نزل. فأكلوا، حتّى إذا فرغوا ذهب الفتى ليقوم فمنعه الشّيخ المهلّبي، ثمّ دعا بشراب، فشرب قدحاً ثم سقى الجارية، ثم عرض على الفتى، فأبى، وقال: أحبّ أن تَعْفِيَنِي. ثمّ أخرجت الجارية عوداً فأخذت تغنّي.

فقال: يا فتى، تحسن مثل هذا ؟ قال: أحسن ما هو أحسن من هذا، فقال: هاتِ ما عندك.

فافتتح الفتى:{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}، وكان الفتى حسن الصوت.

قال: فرجّ الشّيخ بالقدح في الماء، وقال: أشهد أنّ هذا أحسن ممّا سمعت ! فهل غير هذا ؟

قال: نعم، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.

قال: فوقعت من قلب الشّيخ موقعاً، قال: فأمر بالشّراب فرمى به، وأخذ العود فكسره، ثمّ قال: يا فتى، هل هاهنا فرج ؟ قال: نعم:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

قال: فصاح الشّيخ صيحةً خرّ مغشياً عليه، فنظروا فإذا الشّيخ قد ذاق الموت.

ثانيا: إن لم ينتفع سامعُك انتفع غيره. وفي الحديث: (( رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ))، و(( وَرُبَّ مبلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ )).

إحدى الممثّلات في مشوار الفسق والفجور في هذا الزّمان هداها الله تعالى. فكيف كان ذلك ؟

تقول: رجعت يوماً إلى البيت، فسمعت ابنتِي تردّد بيتاً من الشّعرِ حفّظتها إياه المدّرِسة في المدرسة لشوقي:

خدعـوها بقولهـم حسناء *** والغـواني يغرّهـن الثّـناء

نظـرة فابتسـامة فكـلام *** فسـلام، فمـوعد، فلقـاء

فاتّقوا الله في قلوب العذارى *** إنّ العذارى قلوبهـنّ هـواء

قالت الممثلة: سمعت ابنتي تقول هذه الأبيات، فوقعت في قلبي، ومنّ الله عليّ بالهداية.

ثالثا: ليس بالضّرورة أن تعلم بالنّتائج:

في صيف أحد الأعوام عزمَتْ إحدى الأسر على السّفر إلى أوروبا، حيث التحرّر عن قيود الأخلاق الفاضلة.

كانت الفتاة وهي تربط أمتعتها تقول لأخيها الأكبر في فرحة غامرة وسعادة كبيرة: أمّا هذه العباءة فسأتركها هنا، لا حاجة بي إليها !

طارت الأسرة وطارت معها العقول والأصول، وظلّت هنالك شهراً كاملاً بين اللعب والعبث والمعصية لله سبحانه وتعالى.

وفي ليلةٍ عادت الفتاة إلى غرفتها متأخّرة باللّيل، وأخذت الوسادة تريد أن تنام، فغداً هناك مهرجان غنائيّ صاخب !

وأخذت تفكّر، كم السّاعة الآن ببلدي ؟

فجعلت تقلّب قناة المذياع المعدّ للنّزلاء، فإذا بصوتٍ ينبعث من ركام صراخ وعويل مسلسلات والأغاني: إنّه صوت الأذان .. صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها من أقدس بقعه في الأرض من بلد الله الحرام !

وصل هذا الصّوت قلب هذه الفتاة الضحيّة، وجعلت تستمع إلى القرآن الكريم، وتفكر فيما صنعت تلك الليلة، وما الّذي كانت تنوي صنعه غداً !

فلمّا فرغ القارئ من القراءة، قالت: أصابني الحنين ليس إلى الوطن ولا إلى المكان، ولا إلى الزمان، ولكن إلى فاطر السّموات والأرض الرّحيم الرّحمن. قالت: فقمت، وتوضّأت وصلّيت.

فعليك - أخي الكريم - أن تحتسب الأجر، فقد يسمع كلمتك في مكان ما لا تظنّ أنّها قد بلغت ما بلغت، وهذا المؤذّن قد فتح الله به قلب الفتاة وهو لا يدري عن ذلك شيئا، ولكنّ الله يعلمه.

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.